الديوان السابع(على الأعراف)للشاعر صبحي ياسين

في القدس جرح ما تزال عيونه-=ترنو إليـك وتشتهـي لقياكـا
أنا لا ألومك يا فـرات وإنمـا-=لومي على من أنصتوا لسواكـا
طارت إلى فلك السماء حمامـة=سوداءُ تزرع سهلنـا أشواكـا
أفديك عمري يا فـرات وإنمـا=من ذا يبايَعُ في الهموم سواكـا
يا سيدي قـد سافـرتْ آهاتنـا=من شاطئيك فأطلقـتْ أسراكـا
-توراتهم - نامت على أعناقنـا=فأتاك يبكي من ضُحىً أبكاكـا
شتان بين سطورهم وسطورنـا=هيهات يُرضِي راهبـا نُسّاكـا
للبوم والغربان فـي توراتهـم=سِفرٌ يـوازي ليلـة ً تغشاكـا
يا قدس حسبي أنني فـي أمـة==ترعى الغريبَ وتزدري مولاكا

(بردى ) قبور الفاتحين حزينـة=وكـأن منهـا هاتفـا نـاداكـا
إن جف ماءٌ كنتَ أنـت تقـوده= فلأن نـارا سَعّـرتْ أحشاكـا
للسيف في يمناك طبـعٌ خالـد=هلا سألـتَ عروبـة تنساكـا
هي كلما كسَر الزمان ُجناحَهـا=أبدا وحيدا في النضـال أراكـا
بردى قريب أنت مـن خفقاتنـا=فارفع يمينك واحتسب يُسراكـا
تأتيك من فلك الغيـوم سحابـة=ثديٌ سخـيٌ فاعتصـرْ رَيّاكـا
ميراثنا الأحقاد نزكـو نارهـا=من ذا يكفـن ساعـدا أضناكـا
يا نيل وحدك تحتوي ترياقهـا=فاصدع وصادر حولها أسلاكـا
لو كان ماؤك في الفرات مسيره=لتهيبَتْ مَس ّ التـراب ِ عِداكـا
لو كان نفطك فيه عقلٌ مبصـ=لتوثقتْ في الشاطئيـن عُراكـا
قالـوا الثـريُّ مُرَفـهٌ ومُنعّـم=قلت البهائم فـي الفـلاة كذاكـا
غُلّوه حتى لا يرى غير الثـرى=ودعوه تحت ضروعها يستاكـا
هذا الذي ذبح الحضارة عندمـا=جاءته تسعى فاشتهى المسواكـا
قالوا الأمير مع البعير مسافـر=قلت الحضارة أنصفتْ مولاكـا
فهنا الحفاة مع العراة وسقفهـم=صوب السماء يعانق الأفلاكـا
لا خير فيمن خيره من غيـر=حتـى يُغبِّـرَ ساعديـه ثراكـا
يا نيل أنت حديدُها وحريرُهـا=فخذِ الزمامَ فقد بكـى أقصاكـا
يا نيل أنت نعيمهـا وجحيمهـا=سبحان من سيف َ الهدى أعطاكا
يانيل أنـت جميعهـا وشتيتهـا=فاقرأعليهـا واستعـد مجراكـا
هذي الصبيـة تشتهيـكَ أبـوةً=مَـن ذا يُقبِّـلُ رأسَهـا إلاكـا

مَن يا حبيبي أطفـأ المصباحـا=من كَسّـر الأطبـاق والأقداحـا
لا شيء يرنو كي تخاف عيونَهم=أمْ أن جرحا في ضميرك صاحا ؟
يا أسْوَ دَ الجدران جئت ديارنـا=لتهيل فـوق جراحنـا أملاحـا
قالوا أتيت َ إلى الفرات مداويـا=فمـلأت كـل بيوتنـا أتـراحـا
بغداد حسبـك لا تنامـي إنهـم=كالذئب ينهش جيئـة ورواحـا
بغداد صُبي الزيت فوق رؤوسهم=واسترخصي الأموال والأرواحـا
وتنهدي عند الصبـاح وزنـري=خصرا يسافر في الصدور رماحا
مَن قال إنـك طفلـة غجريـة=لا والذي أجرى الفـرات قراحـا
أنتِ التي رَصفتْ طريقـا للألـى=زرعوا المجرة همـة وكفاحـا
أنت التي هـزت نخيـل فراتهـا=وجدلْت ِِمن شَعر الملاح سلاحا
أنتِ التي شدّتْ زمـام خليجهـا=وزرعتِ وجه الغاصبين جراحـا
قبّلْت ُ رأسكَ يا عـراق ُمعانقـا=فالفجر لألأ في الفضاء ولاحـا
لا تسأليني عن فـرار عزيمـة=ضاع الأمينُ وضيّـع المفتاحـا
بغداد حسبـي أننـي فـي أمـة=تستقطـب الحجـاج والسفاحـا
بغداد ردي فوق رأسي معطفـي=فلقد سئمت ُ من الكلاب نباحـا

*****حــــــــذاء ودواء=-
مِسْك ُالختام ِحـذاءٌ حَطّـمَ الصَلَفـا=شكـرا فإنـك قـد علّمْتنـا وكفـى
يا نعلَ مُنتظر ٍ في وجه ِ مغتصِـب=ٍلأنت أشرفُ ممن ضيعـوا الشرفـا
هي الرسالـة مـن نعليـك مجزيـة=فقد أصبت َولمّـا تخطـىء الهدفـا
هذا الذي شـقَّ يـا بغـدادُ أضلعَنـا=هذا الذي نَصّـبَ الأقـزامَ والجيفـا
هذا الذي قطّع الأرحامَ فـي وطنـي=وخلّفَ الطفلَ تحت القصف ِمُرتجفـا
هذا الذي علّـمَ الأوغـاد َ صنعتـه=فاستعبدوا كلّ َ من صلى أو اعتكفـا
كم كان يرفع بيـن النـاس هامتـه=حتى قصَفْتَ فأحْنى الهـام ََوانعطفـا
بئس َالمجيءُ لأرضٍ أنـتَ حارقهـا=يا من نهَبْتَ لنـا الآبـار َ والتحفـا
هل جئتَ تبْصِرُ ما د َمّرْت َ من مُدِن =أم جئتَ تبْصِرُ فينا الضعف َ والتلفـا
قد قبّلتـكَ كـلاب ٌأنـت صاحبُهـا=واستقبلتـك ذئـابٌ تمْسَـح ُالكتـفـا
ورافقتـكَ رمـوزُ الخِـزْيِِ ِمُتخَمَـة=تَحْبو وتطلبُ منـكَ التبـنَ والعلفـا

كل الكبـارِ صغـارٌ عنـد حَدْوَتِـهِ=لكـنّ نعلـك أعلـى حينمـا قصفـا
ما أروع َالصمت َ في عينيك َ ياقلما=من أجل أرضه باع التبْـرَ والترفـا
هاتوا الحذاء َأمـام الخلـق ِنَحضُنُـه=ذاك الذي رغم صمتِ الكلِّ قد هتفـا
قُمْ يا فرات ُ وقَبِّـلْ هامـة وقفـت =تعانق ُالشمـس َوالأنبـار َوالنجفـا
لا تخدشـوه فهـذا الرمـز نعشقـه=ولن يفرَّ مـن استقـوى أو اعتسفـا
يا أصغر الناس ِ في أحداق أصغرِنـا=هذا تُراثـك َعـن أيامنـا انصرفـا
لا شكَّ يُخطىء ُ من جاءتكَ جَزْمَتُـه=إن أبصر َالقبحَ في عينيـك َوالقرفـا
كـان الحذاءُإلـى فكيـكَ مُنطلـقـا=لكنـه أَبصـرَ الأوسـاخ َفانحرفـا

وهم حـــــــلــــــــم=-
لمن الجيوش على الحدود تجيـش=لمن الصواعق في السماء تطيش
قالوا الزعامة حركـت أرتالهـا=وتململت فوق العروش كـروش
ومن المحيط إلى الخليج تنافسـت=كل اللحى والشـارب المنكـوش
وإذا الشعوب بقضها وقضيضهـا=خلف الجيوش عليقـة وحشيـش
وإذا السماء مضيئة برصاصهـم=ونسور جو في الفضـاء تعيـش
وقنابل فـوق اليهـود تقاطـرت=تأتي علـى أوكارهـم وتنـوش
ومدرعـات جيوشنـا لا تنتهـي=فكأنهـا فـوق التـراب نقـوش
وقفزت من فوق السرير مروعـا=وصحت على وقع الطبول رموش
فإذا السلاح إلى الشعـوب مخبـأ=وتئن من عفن الكروش عـروش
وإذا الجيوش على الحدود أرانـب=وعلى الشعوب أشاوس ووحوش

دروس=-
قدم الشهيد على رباك تدوس=وفم يمر على الثرى ويبوس
رشي عليه وأشعلي مشكاته=فالليل قاس والنهار عبوس
فكي الضفائر وانثريها فوقه=هذا المسجى تشتهيه عروس
كم كان يبحر للنجوم مسافرا=كم كان يجلد ظهرها ويسوس
هذا الذي عشق المجرة بعدما=ألفيته بين الشموس يجوس
ناديته والليل يمضغ لحمه= قد أينعت فوق الرقاب رؤوس
نزف المعاول في ضلوعك صامت=وعلى ذراعك تستحم فؤوس
تمر الفرات وفي شفاهك طعمه=ترنو إليه من السماء شموس
أقصاك فلس لا يروق رنينه=والطين باق تشتريه فلوس
فمتى يمر على خليجك حره=ومتى تفيق من السبات نفوس
ما أنت إلا رحلة لا تنتهي=هيهات تفهم في الرؤوس دروس

رحلة=-
مرارة الأمس ترسو اليوم في كاسي==فلا انتشيت ولا دارت بهـا راسـي
برئتُ منك وممـا دار فـي خلـدي=يا رحلة النار في روحي وأنفاسـي
سكبتُ نايك في القطبيـن مرتحـلا=فحرّ لحنـك لـم تألفـه أجراسـي
أشكو الصبابة أم أشكوك في زمـن=يكابد الجرح تحت المشرط القاسـي
وضعت خدي على يمنـاك ملتجئـا=لعل همسك يمحو زيف إحساسـي
فكم شربت كؤوسا لا صفـاء لهـا=وكم جرعت دواء الجارح الآسـي
يا وحشة الروح قد هاجت مواجعنا=فوثقي الحبـل بيـن الله والنـاس
قد يمطر الجرح إن غامت سحائبـه=فلملمي الغيم عن موالـي الناسـي
أعلنت أني علـى حديـك ذو جلَـد=وتحت سوطك ما أعلنـت إفلاسـي
أحببت فيـك جـواد الليـل متقـدا=فقد أضعت على شطيـك أفراسـي
لا أسبـل الله جفنـا أنـت كاحلـه=يرنو إلينا (فأنت الطاعم الكاسـي)
ما أروع الليل في عينيـك أرقبـه=فقبّلـي الفجـرإن قبّلـتِ حرّاسـي
لا يرحل العشق إن جفـت موانئـه=وكيف يهرب مـن يخلـو بقـداس
يا طيب الشهد مـن كـف مطيبـة=سأسكب الشعر في شلالك الماسي
لا أبـرد الله قلبـا أنـت ساكـنـه=فأنت وحـدك سُمّـاري وجُّلاسـي

شكوى=-
لله أشكـو بلـوتـي ومصـابـي=فلقـد تزاحمـت الهمـوم ببابـي
من كل صوب والشعـاب كثيـرة=جاءت تحـز بسيفهـا أعصابـي
أنا يا زمان الصبر كأسي متـرع=وبلغت من حد العـذاب نصابـي
ضاعت على مهد الطفولة فرحتـي=وفقدت في عـز الشبـاب شبابـي
قدر علـي بـأن أجـوز قفارهـا=بيـن الذئـاب مخلـع الأنـيـاب
صحراء عمري يا زمان وأفقهـا=جدب من الأصحـاب والأحبـاب
أطفأت يا ليـل النوائـب شمعتـي=وكسرت في درب الرحيل ركابـي
ظمآن أستـف التـراب وأحتسـي=هما تقاطر مـن كـؤوس عذابـي
هي رحلة رسم الزمـان طريقهـا=فمشيت وحدي ممسكـا بصوابـي
فمتى تـرد إلـى المليـك وديعـة=ومتى يعود إلـى التـراب ترابـي

الأصيل=-
شمسُ الأصيل على الأسيل تسيلُ=ويدٌ تداعـب شعرَهـا فيطـولُ
وفـم شهـي ّاللوزتيـن مُنعْنـعٌ=من- أرجوانٍ ٍ- للشفـاه يَميـل
لي فوق نهركِ قصـة وقصيـدة=فيها الخليل إلـى المـراد خليـل
ما بين يومكِِ والقصـيِّ غلالـة=ميراثهـا التجريـح والتقتـيـل
يا ليتني فـوق الغمـامِ مسافـر=لأنـال ممـا لا يجـود بخيـل
فمتى سأقطف ُمن سمائك أنجمي=ليَصُبَّ في وادي المناجـم نيـل
هـذا هديلـك يَستفـز مراجلـي=فيهيج من وجع الهديـل صهيـل
يعلو ويدنو قـارب مـن قـارب=حتى توهـج فـي الفـؤاد فتيـل