سَــــ،تَرْجِـــعُ الشَّـامُ
لا الحُزْنُ يبقى ولا الآلامُ والكَدَرُ
ولا الصُروفُ ولا الآهاتُ والغِيَرُ
كلُّ الدواهي بحُكْمِ الدَّهْرِ زائلةٌ
وكُلُّ لَيْلٍ بِحُكْمِ الصُبْحِ مُنْحَسِرُ
وكُلُّ أمْرٍ وإنْ طالَ الزمانُ بهِ
وكُلُّ خَطْبٍ عَرانا ... سوفَ يَحْتَضِرُ
وإنْ على أرْضِنا دارَتْ دوائِرَهُمُ
فإنَّ مَصْرَعَهُمْ فيها وإنْ كَثُروا
هَذي الشَّآمُ على أبوابِها انْدَحَرَتْ
كُلُّ الغُزاةِ وهاهُمْ يومَنا انْدَحَروا
وخلَّفوا بَعْدَهُمْ مِنْ رِجْسِ فِعْلَتِهِمْ
مِنَ الفواجِعِ ما لا يَصْدُقُ النَظَرُ
قَتْلى وجَرْحى وأيْتامٌ وأرْمَلَةٌ
وبَلْدَةٌ أهْلُها مِنْ هَوْلِهِمْ هَجَروا
قدْ مادَتِ الأرْضُ حتَّى صارَ أكْثَرُها
مِنْ فِعْلِ إنْسانِها كالنَّارِ تَسْتَعِرُ
يُرْغي ويُزْبِدُ لا يَرْعى الذِمامَ بها
كأنَّهُ الوَحْشُ ... إلا أنَّهُ بَشَـرُ
القَتْلُ والسَّفْكُ والتدْميرُ شِرْعَتُهُمْ
والمَكْرُ والغَدْرُ والتكفيرُ والضَّرَرُ
ما انْهَدَّ مِنْ حَجَرٍ نَبنيهِ ثانِيَةً
وبالعَزيمَةِ والإصْرارِ نَزْدَهِرُ
ومَنْ فَقَدْنا ففي العَلْياءِ مَسْكَنُهُمْ
نَحْيا على ذِكْرِهِمْ والقَلْبُ يَعْتَصِرُ
مَهْما يطولُ بنا عَهْدٌ بِفَقْدِهِمُ
يَبْقَوْنَ فينا كما لو أنَّهُمْ حَضَروا
إنَّ الذينَ قَضَوا ذَوْداً وتَضْحِيَةً
هُمُ الفِداءُ وهُمْ في عُمْرِنا العُمُرُ
ما كانَ لَنْ تَمَّحي مأساتُهُ أبَداً
في كُلِّ دارٍ بِها مِنْ غَدْرِهِم أَثَرُ
إنْ يَغْسِلِ الماءُ أدْراناً بنا عَلِقَتْ
لكِنَّ ما اجْتَرَحوا لَنْ يَغْسِلَ المَطَرُ
قَدْ ماتَ إنْسانُهُمْ في ذاتِهِمْ فَهُمُ
أشباهُ ناسٍ وقدْ شاهَتْ لهُمْ صُوَرُ
ماتَتْ قلوبٌ وكانَتْ قَبْلُ نابِضَةً
حتى قَسَتْ ... فتَراها أنَّها حَجَرُ
لَنْ تَعْرِفِ البُرءَ إلا أنْ تُطَهِّرَها
مِنْ رِجْسِها توبةٌ والقَلْبُ مُنْكَسِرُ
الحُبُّ يأسو جِراحَ القَلْبِ مِنْ حَزَنٍ
وتزْدَهي بالْحَيا الأوطانُ والبَشَرُ
فتَعْشُبُ الأرْضُ مِنْ بَعْدِ اليَباسِ كَما
يَسْتَبْشِرُ الناسُ حيثُ الزَّهْرُ والثَمَرُ
والأصْلُ في الأرْضِ لَنْ تُغتالَ بِذْرَتُنا
هُنا الجّذورُ وهذا زَرْعُنا الخَضِرُ
كما الغُصونُ إلى جِذْعٍ مُوَثَّقَةٌ
لِتلْتَئِمْ في حِمى أوطانِها الأُسَرُ
لَنْ يَصْلُحَ الحالُ إلاَّ حينَ يَجْمَعُنا
حُبٌّ وعَفْوٌ وإيْثارٌ ومُؤتَمَرُ
قَدْ قالَها قَبْلُ مَنْ بالجُّبِّ أَوْدَعَهُ
( فاغْفِرْ علَيْكَ سلامُ اللهِ يا عُمَرُ) *
واللَّهُ يَشْهَدُ أنَّ الحَقَّ مُنْتَصِرٌ
مَهْما قضى مَكْرُهُمْ أو عُصْبَةٌ غَدَروا
سيولَدُ الصُّبْحُ مِنْ رَحْمِ الظلامِ وَلَنْ
تُبْقي سَوادَهُمُ شَمْسٌ ولا قَمَرُ
سَتَرْجِعُ الشَّـامُ في عَيْنِ الصباحِ سَناً
ففَجْرُها مُقْبِلٌ ... والنَّصْرُ والظَّفَرُ
* قصة عمر ابن الخطاب مع الشاعر الحطيئة وهي إشارة إلى أنَّ العفو والمغفرة والصفح والتسامح من ديننا وتراثنا